تحقيق | تحرّشوا بي... وهذه شهادتي (2)

نستمر في الجزء الثاني من التحقيق بنشر شهادات النساء، بالإضافة إلى تسليط الضوء على قضية فقدان السيطرة في "كباريت" في ما يتعلق بتعاطي المخدرات التي باتت جزءًا من هوية المكان.

تحقيق | تحرّشوا بي... وهذه شهادتي (2)

تحقيق

في الجزء الثاني من التحقيق الذي أجراه الزميل ربيع عيد ننشر شهادات النساء، بالإضافة إلى تسليط الضوء على قضية فقدان السيطرة في "كباريت" في ما يتعلق بتعاطي السموم.

الجزء الأول | تحقيق | تحرشوا بي... وهذه شهادتي


خلال العمل على هذا التحقيق، تمكّنا من الوصول إلى شهادات إضافية لنساء، وقرّرن التحدّث لموقع "عرب ٤٨" عن قصصهن الشخصيّة.

نستمر في الجزء الثاني من التحقيق بنشر شهادات النساء، بالإضافة إلى تسليط الضوء على قضية فقدان السيطرة في "كباريت" في ما يتعلق بتعاطي المخدرات التي باتت جزءًا من هوية المكان بحسب شهادات عديدة، كدلالة إلى انتشار أوسع للسموم بين الشباب والشابّات، كما نُلقي الضوء على الجانب القانوني في هذا الموضوع.

ويرفض عايد فضل كافة التهم الموجهة له بالتحقيق بحسب الشهادات، في الجزأين الأول والثاني، وينفيها جملةً وتفصيلًا.

الشهادة الرابعة: ممارسة الجنس دون إرادة الضحية

أثناء العمل على التحقيق، وصلتنا شهادة فيها اتهامات بتحرّش إلى حد الاعتداء الجنسي، لم تحصل في "كباريت"، لكنّها مرتبطة بأحد أصحابه وهو عايد فضل، وحصلت قبل نحو عشر سنوات. وقد حصلنا على شهادات بالتعاون مع جمعية السوار، التي توفر الدعم النفسي والقانوني للفتيات والنساء، وتنشط في مناهضة جرائم العنف الجنسي.

في الشهادة التالية تقرر ميس (اسم مستعار) الحديث للعلن عن القضية التي لا زالت آثارها تُرافق حياتها اليوميّة كما تروي في شهادتها القاسية التي تصل حد الاعتداء الجنسي (الشهادة في التسجيل بصوت شخص آخر):

الشهادة الخامسة: تحرّش على سطح "كباريت"

في شهادة إضافية، تُخبرنا ياسمين (اسم مستعار) عن تجربة تقول إنها تعرّضت لها من قبل عايد، وتتهمه بالتحرّش بها على سطح "كباريت". كانت ياسمين تعتبر "كباريت" مثل بيتها والمكان الوحيد في البلاد الذي تحب الذهاب إليه، وذلك لما يمثّله من ناحية سياسيّة بحسب تعبيرها وبسبب الموسيقى والذوق الفني والفنانين الذين كانوا يعرضون فيه. تقول ياسمين إن "’كباريت’ يمثّل بالنسبة لي العالم الكبير وهو انعكاس لبرلين في حيفا، مكان يرحّب بالجميع وبالمثليين والمثليات. هذا المكان يمثّل القيم التي أؤمن بها، باستثناء ما حصل معي ومع نساء أخريات. كانت هناك مضايقات من الشباب والرجال منذ البداية وكأنهم يستطيعون أن يفعلوا ما يريدون دون حواجز. لم آخذ الموضوع بجدية واستمررتُ بالذهاب وأحببت المكان، وأنا أؤمن أنه مكان مميز أضاف للثقافة الفلسطينيّة وبمعايير عالميّة، وشعرت كيهوديّة أنني هنا ضيفة بالمفهوم الإيجابي".

تضيف ياسمين أن "هذا مكان فيه روح لجيل شبابي يريد التغيير من خلال الموسيقى، وهذا يمكن أن يحصل لأن أصحاب المكان حملوا هذه الرؤية وعملوا على هذه الأجواء بكل إتقان، باستثناء التعامل الذكوري تجاه للنساء الذي كان منذ البداية. الذكور غالبًا أكثر من النساء في المكان، وغالبًا ما يكونون سكارى. أبدأ الرقص ثم يحاولون الرقص معي ووضع أياديهم علي. لا مشكلة لي بأن يحاولوا التودد، لكن ليس بهذه الصورة والطريقة".

أما عن قصّتها الشخصيّة، فتقول ياسمين (الشهادة في التسجيل بصوت شخص آخر):

تختتم ياسمين شهادتها بالقول إن "كباريت" مكان جميل لكن لا يمكن له أن يستمر ما دام مكانًا غير آمن للنساء، وتقع مسؤولية على أصحاب المكان كي يمنعوا ما يحصل وهم على دراية بذلك، وليشّكلوا البيئة المناسبة لو أرادوا ذلك، على حدّ تعبيرها. وتضيف أنها فكّرت بالتحدث مع أصحاب "كباريت" حول ذلك، إلا أن صديقة لها أخبرتها أن "لا جدوى من ذلك لأن محاولات كهذه حصلت في السابق ولم يتغير شيء"، على حدّ قولها.

الشهادة السادسة: مشاكل مع زبائن بعد محاولات تحرّش

عايد فضل
عايد فضل ينفي جملة وتفصيلا التهم الموجهة إليه في التحقيق

هذه الأجواء من المساحة غير الآمنة في "كباريت" بحق النساء، تُعززها شهادة هدى (اسم مستعار)، وتُضيف عليها قضية أخرى وهي حضور أفراد من الجريمة المنظمة إلى "كباريت"، جزء منهم يبيع المخدرات، وأحيانًا يفتعلون مشاكل مع الزبائن بسبب محاولات تحرّش.

تقول هدى عن ذلك، "أنا كنت من المتابعين لـ’كباريت’ منذ بدايته، وأرتاد عليه وأراه مكانًا لطيفًا حيث ألتقي بأصدقاء ونستمع للموسيقى وكان الجو مريحًا في السنة الأولى دون أي تحرّش. لكن لاحقًا، حصلت محاولات تحرّش عديدة بي، منها ما هو ’عادي’ مثل محاولة تودد غير لبقة أو محاولات خطيرة ومتطرفة، بالإضافة لمحاولات حصلت أمامي في المحل مع فتيات دون أن أي رادع من أي أحد. من الحوادث التي حصلت أن يأتي أحد ما دون استشارتي ويجلس بجانبي ويحاول أن يعزمني على مشروب. كنت مرّة أجلس بجانب أخي وقلت لا أريد، وهو ظلّ يصر ويحاول إظهار ’قديش هو زلمة’. أوقفته لكن ليس كل الحالات تنهي بهذه الطريقة".

وتُضيف أنّ "هناك حالات تنتهي بمد الأيدي وضرب كراسي وأشخاص يجلبون أصدقاءهم من خارج المحل. مرّة من المرّات كنت أنا وصديقتي وجاء شابان يريدان الجلوس جنبنا بالقوة، واستخدما كلمات جنسية بذيئة، فوقفت وحاولت طرده ثم جاء أصحاب المحل وتطور الإشكال لضرب بالأيدي وبالطاولات والكراسي. ثم صار حديث أنني خرّبت المحل. لا أفهم المسؤولية التي يتعاملون بها في مثل هذه الحالات. في حالة أخرى قال لي أحدهم ’إذا بتطلعيش معي بكسّرلك راسك’. صفنت ثم توجهت للحمام وعدت ورأيتهم يتخاصمون مع الفتاة التي تعمل على البار وهدّدوها بقطع رأسها. مرّة من المرّات اضّطر أصحاب المحل أن يطلبوا من رئيس مجلس محلي عربي التدخل كي يسحب الأشخاص الذين أثاروا المشاكل ولتهدئة الأمور. أتساءل لماذا هذه الناس تدخل للمحل ولا يتم استبعادها؟ وبرأيي لسبب واحد: السموم وربط التحرشات بالنساء مع السموم وهذا الجو متوفّر في ’كباريت’".

وحول المزيد من هذه الأحداث، تقول هدى في شهادتها (الشهادة في التسجيل بصوت شخص آخر):

وليد حداد: مشكلة وعي

قد يبدو أن كل شيء اختلط: الكحول والمخدّرات والتحرّش مع حياة ليليّة صاخبة، غير أنّ الواقع ليس بالضرورة أن يكون هكذا، خصوصًا إن توفر الوعي لتأثير استخدام أنواع معيّنة من المخدّرات، خصوصًا الكوكايين.

حملنا أسئلة تعاطي المخدّرات في "كباريت" والنوادي الليلية عمومًا والوعي بمخاطر ذلك إلى الاختصاصي والمحاضر في علم الجريمة والمخدرات، د. وليد حداد، الذي قال إنّ "ظاهرة النوادي الليليّة انتقلت إلى المجتمع العربي في آخر 20 سنة، وفي السنوات الأخيرة ازدادت خاصّة في مدينة حيفا. كانت النوادي الليليّة سابقًا في تل أبيب وكان العرب يذهبون إليها، لكن لم يكن هناك خصوصيّة ثقافيّة أو أجواء عربيّة، بل كانت تحت الهويّة الإسرائيليّة. وأنا وفي وجود نوادي ليليّة عربيّة وموسيقى عربيّة أمرًا صحيًا ومطلوبًا في المجتمع. لكن برأيي في بعض الأماكن لم تكن هناك توعية وجاهزية للتعامل مع قضايا الأمان والمخدرات في مجتمعنا".

د. وليد حداد
د. وليد حداد

ويضيف حدّاد أن "عدم التوعية ينبع بالأساس من البيوت. يذهب الشاب العربي للجامعة ولا يعرف تأثير الكحول أو المخدرات على الدماغ. وبدأنا نرى شبابًا عربًا فقدوا الوعي تمامًا بسبب الاستخدام غير الصحيح لهذه المواد. وظاهرة التحرش ممكن أن تبدأ بالكحول لأنها تُفقد الوعي وقد يكون الكحول مغشوشًا، وبعض الأشخاص ممن لديهم دوافع للتحرش يقوم بذلك بعد استعمال كثيف للكحول أو المخدرات وبعض المواد المنشّطة التي تؤثر على الدماغ، وتعطي الإحساس بإمكانية أن يقوم الشخص بما يريد دون موافقة الطرف الثاني".

ويتابع حداد "كي نفهم عالم المخدرات علينا أن نفهم أن كل مادة مخدرة تدخل إلى الجسم لديها تأثير على الدماغ. هنالك أربع تأثيرات على الدماغ إن كان ذلك عن طريق بلع الحبوب أو الحقن أو التدخين والشم أو شرب أو مضغ، وهي تؤثر بأشكال مختلفة بحسب المادة: 1. تُنشط الدماغ 2. تؤدي إلى اكتئاب 3. تُسكّن الأوجاع 4. تؤدي إلى هلوسات. وقد يؤدي استخدام المخدر ذاته إلى حدوث تأثيرين في الوقت نفسه، مثل تخدير وهلوسة. هناك منشطات مثل الكريستال أو الكوكايين. هناك ’السبيد’ الذي يستخدمه بعض الرياضيين. الكحول مثلًا على الرغم من أنه قانوني لكنه يعتبر مادة محبطة للدماغ. هناك مواد تؤدي للهلوسة مثل الحشيش والـ’نايس غاي’ والـ’تريب’ والـ’أكستزي’. الحشيش مثلًا مع أنه شائع وبات يعتبر بشكل ما شرعيًا، لكن بحسب تعريفه العلمي يؤدي إلى هلوسة".

سم الاغتصاب

ويستطرد حداد بالشرح "هناك أنواع حبوب تسمى ’حبوبًا احتفالية’ (حاغيغاه بالعبرية) تؤخذ عادة في ’حفلات الطبيعة’، هذه مثلًا تحمل منشط ’ميثامفيتامين’، وهو منشط يزيد من حركة الإنسان ويرفع الغريزة ويسدّ شهية الأكل. تجد شخص ما ضعيف البنية ولا يأكل كثيرًا لكن حركته قوية ونشطة، وهي منشطات جنسيّة أيضًا تستعمل لزيادة الحركة مثل الكوكايين. وأخطر من ذلك كله، باعتقادي، هو دخول مادة "GHB" أو ما يُعرف بسم الاغتصاب. ونلاحظ انتشار هذه المادة في النوادي الليليّة إن كان لدى العرب أو اليهود، وهي موجودة على شكل سائل بالغالب أو حبوب، تُوضع مع أي نوع سائل مثل ماء أو كحول ولا يوجد لها طعمة أو رائحة أو لون، وفي حال مزجها مع الكحول تكون هدّامة جدًا. إذ يفقد الإنسان السيطرة كليًا على نفسه ولا يستطيع اتّخاذ قرارات وينسى ما حصل معه وكيف وجد نفسه في اليوم الثاني في منزل شخص آخر وينسى كيف تصرّف. هذه المادة لن يُعثَر عليها في الجسم حتّى لو ذهب للمستشفى في اليوم التالي لأنها تتحلل بسرعة. تعاملت مع حالتين لصبيتين عربيتين مرّتا بهذه التجربة وقالتا إنهما لم تتذكّرا ما حصل لهما، وأنا متأكد أنه يوجد عشرات مثل هذه الحلات الأخرى التي لا نعرف عنها. كذلك توجد حبوب الـ’إكستزي’ (أم دي) وهي تُباع في النوادي الليليّة بـ70 شيكل وتؤدي إلى هلوسة، وأعرف أن العديد من الطلاب الجامعيين أخذوها وأدت بهم للهلوسة. وهناك من أخذ أكثر من حبة بنفس الليلة الأمر الذي يؤدي إلى تهيؤات وعطش وحالة استرجاع ذكريات (فلاش باك) بعد أيام. فجأة تتذكر أمور وتبدأ بالضحك، وهي من أخطر المواد التي دخلت البلاد وتستعمل كمنشطات جنسيّة ولهذا السبب تُباع كثيرًا في الحفلات، وممكن أن يفقد الإنسان السيطرة على نفسه ويستعمل العنف. غالبية الأمراض النفسيّة التي يمكن أن نسمع عنها حول أن شخص ما ’انضرب أو انسرق’ يكون سببها الـ’إكستزي’. المادّة فتّاكة وتُصنّع في مختبرات بدائيّة الأمر الذي قد ينتج عنه وجود حبّات ’إكستزي’ عالية التركيز أكثر من اللازم ولا يُعرف أي حبّة عالية أكثر من الأخرى".

غالبًا ما يكون تعاطي السموم في المراحيض

وحول تصنيع هذه المواد وتوزيعها يقول حداد إنه "في المعظم تصنع في مختبرات خارج البلاد. في البلاد توجد مختبرات تُصنّع الحبّة الاحتفاليّة، ويوجد أيضًا تصنيع محلي لـ’المستر نايس غاي’ وهو عبارة عن عشبة مرشوشة بمواد كيميائيّة، وتدخين سيجارة منها يعادل تدخين مئات سجائر الحشيش وهي خطرة جدًا. تجد مثلًا طالبا جامعيا متفوقا في معهد التخنيون أصبح لديه مرض نفسي فجائي بسبب تدخينه الــ’غراس’ أو القنب، لكن يتضّح لاحقًا أنه تعاطى الـ’نايس غاي’. بشكل عام أنا أرفض نظريّة المؤامرة أن شخصا ما غُدر به ووضعوا له شيئًا ما. غالبًا يكون التعاطي بإرادته لكن لا يعرف الأضرار. تجّار المخدرات عندما يجدون طلبًا يأتون ويبيعون هذه المواد، وعادة يكون تقسيم مناطق بينهم خصوصًا في أماكن السهر. ليس كل شخص يستطيع أن يبيع في كل منطقة، هناك تقاسم أدوار وهذا حاصل في حيفا بين عائلات الجريمة المنظّمة. هناك من يذهب للحفلات ويكون لديه المخدرات مسبقًا وهناك من يشتري خلال الحفلة، وتوجد تجارة لكل أنواع المخدرات. ويحصل أن يقوم التّجار باستغلال شخص يتعاطى المخدرات من خلال بيعه مجانًا المخدرات مقابل أن يؤمن لهم زبائن إضافيين وهذا يحصل في النوادي الليليّة. وغالبًا تجري عمليّة البيع والتعاطي في الحمّامات، وأصحاب النوادي مستفيدون من هذه الظاهرة لأن الشخص بعد تعاطيه المخدر يصبح بحاجة لشرب الماء والكحول الأمر الذي يدرّ على النوادي الربح المادي. مثلًا ممكن لشخص واحد أن يأخذ حبّة ويرقص كل الليل ويستهلك عشر زجاجات من الماء المعدنيّة، وهو في الحقيقة ليس عَطِشًا لكنّ لديه شعورًا وهميًا بذلك. واجهت حالة وفاة لشخص شرب 20 زجاجة ماء ما أدى إلى فقدانه للوعي، فأخذه أصدقاؤه للمستشفى ولم يبلغوا الطبيب أنهم كانوا في حفلة طبيعة وتعاطى الـ’إكستزي’، فوضع الطبيب له معالجة وريديّة (أنفوزيا) وجسمه ممتلئ بالماء ومات بما يسمى بغرق الأمعاء مثل أن تضع شخص في بركة ويغرق. أنا أدعو أي أحد يأخذ مخدر ويذهب للمستشفى بالتبليغ عن كونه تعاطى المخدرات".

من حمامات "كباريت"
من مراحيض "كباريت"

وخلص حداد إلى القول إنه "في اعتقادي تسليط الضوء على هذه القضايا أمر مهم، خصوصًا أننا نشهد انتعاشًا في الحياة الليليّة لدى المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل، التي تجري إلى جانبها عمليات تجارة كحول ومخدرات. أنا لا أريد الآن تخويف الأهل أو أن يمنعوا أبناءَهم من الذهاب والسهر أو مهاجمة النوادي الليليّة والمقاهي العربيّة، فمن دونها سنعود إلى ما كنّا عليه سابقًا بالتوجه لتل أبيب. لكن مهم التحذير والتوعية من مظاهر تحصل داخل هذا المشهد. أنا لا أتدخل بحريّة كل فرد الشخصيّة وأنصح الصبايا بالذهاب للسهر ضمن مجموعات والعودة كمجموعة، لأنه من الصعب على المتحرّشين والمجرمين التعامل مع مجموعة. والمعتدون دائمًا يستهدفون شخصًا منفردًا. هذه التقارير الصحفيّة مهمّة برأيي والهدف هو التوعية ويجب إلا تُستغل لخدمة وجهات نظر رجعيّة أو أصوليّة. لا نريد للنوادي الليليّة العربيّة أن تغلق ويذهب أبناؤنا للنوادي الليليّة الإسرائيليّة. يجب أن تكون معرفة ومسؤوليّة من قبل أصحاب المحلات حول كيفيّة التعامل مع هذه القضايا".

شهادات تتحدث

طرحت قضية تعاطي السموم في الملاهي والحفلات الليلية ضمن الشهادات التي تناولناها في الجزء الأوّل من التحقيق. وفي هذا السياق، تقول لورا (اسم مستعار) عن أنواع السموم التي كانت تُباع أو تُتعاطى، إنه "كان هناك الكوكايين، الـ’إكستزي’، الـ’أم دي’ والـ’كتامين’. هناك من كان يفقد الوعي في ’كباريت’ ويُخرجون من المحل على أثر ذلك، أو يبقى منهم فاقد للوعي لوحده، كان يتم إخراجهم في حال أصبحوا مزعجين".

"أسرار المدينة" مشهد 2 – عمل للفنانة جنان عبده مستوحى من الشهادات
"أسرار المدينة" مشهد 2 – عمل للفنانة جنان عبده مستوحى من الشهادات

وحول مراقبة الشرطة لقضايا السموم في "كباريت"، تقول لورا إنه "كانت تأتي الشرطة كل ليلة في جولة روتينيّة، تسأل عن عدد الأشخاص المتواجدين، وهل الكاميرات تعمل. أحيانًا كان عناصر الشرطة يدخلون للتأكد من عمل الكاميرات ثم يخرجون على الرغم من رائحة الحشيش التي تفوح في المكان، بالإضافة للدخان العادي داخل المكان إذ بحسب القانون ممنوعًا لكنهم لم يسألوا عن هذا الموضوع. ذُكر مرة أنّ عناصر شرطة سرية جاءوا مرّتين لكن لم نتأكد من صحة المعلومة. لا أعرف كيف تعمل الشرطة، هذا المكان موجود منذ أكثر من أربع سنوات والجميع يعلم ما يحصل بالداخل خصوصًا في قضية السموم. لا أعلم لماذا لم تكن هناك مساءلة من الشرطة حول ذلك".

أما هدى (اسم مستعار) فتقول إن أصحاب المحل لم يواجهوا عمليات بيع السموم التي كانت تجري، ولم يكن هناك "ديلر" (بائع) واحد مختص بـ"كباريت"، إذ تقول إن "المحل لا يُشجّع على بيع السموم لكنه لا يمانعه أو يحاربه داخل المحل، وبالنسبة له مشهد تعاطي السموم في المحل عادي. هناك ناس يشترون سمومًا قبل المجيء أو خارج ’كباريت’ من أشخاص قد يلتقون بهم في كباريت، وبدورهم قد يبيعون لآخرين، وأنا أعتقد أنهم في مرحلة ما فقدوا السيطرة على قضية تعاطي السموم، وهذا حصل قبل انفضاح قضية عايد. أنا قلت لهم إنّكم فقدتم السيطرة والكثير من زبائنهم المعتادين يذهبون إلى هناك لأن المكان يتيح إمكانية تعاطي السموم".

وتروي هدى عن قصّة شخصية شهدتها في محاولة لبيعها السموم هناك "مرّة جاء أحد أفراد منظمة جريمة وقال لي ’بتعملي عالي؟’، وتفاجأت منه فأنا لا أعرفه ولا يعرفني، فكيف له أن يأتي ويعرض علي هذا. كانوا يخرجون عند سيارتهم خارج ’كباريت’ لتعاطي السموم ثم يعودون لإكمال سهرتهم وكانوا يبيعون أيضًا. كيف يمكن لمثل هذا الجو أن يكون آمنًا لفتاة أتت لتسهر أو ترقص، وكيف لنا أن نعلم أن مثل هذه الناس قد تتعرض لها أو لغيرها. هذا جو جدًا خطير أن يأتي بائعو السموم لللسهر في ’كباريت’ حتى لو لم يبيعوا، فهم قد يبتزون فتيات بكافة الأشكال".

وأنهت هدى حديثها بذكر موضوع آخر، وهو "الأفتير بارتي"، وهي حفلة ما بعد الحفلة، قائلة "أنا دائمًا حذرة في أماكن السهر التي أذهب إليها وأيضًا خلال سهري، مثلًا لم أكن أذهب لحفلات الـ’أفتير بارتي’ التي كانت تقام في المنازل. من الممكن حصول حالات تم فيها إدخال صبايا بالقوة إلى الغرفة، في مثل هذه الحفلات في المنازل، هن لم يكن على دراية بما يحصل معهن أو ماذا يفعلن. هذا فخ السموم وهو خطير جدًا. في النهاية تعاطي السموم حرية فرديّة لكن هذا لا يبرر لأي أحد التحرش في النساء بحجة السموم أو أي شيء آخر".

المحامية عبير بكر: بالإمكان تحميل المشغّل مسؤولية غض النظر عن تحرشات تحصل في مكان العمل

ردًا على سؤال متى يمكن للضحية أن تُقدم شكوى حول حالات التحرش، تقول المحامية عبير بكر إنه "يتعلق بالوضع، فالتحرّش في مكان عمل يختلف عن تحرش في الشارع، إذ أنه في العمل يوجد نفوذ وسلطة وحياتك اليوميّة متعلقة بالمشغّل. حتى كمشغّل إن حصل لديك حالة تحرّش من قبل أحد عامليك أو مسؤولين من قبلك تربطك معهم علاقات عمل وعرفت عنها - حتى لو لم تكن أنت الذي قمت بذلك - هناك مسؤولية عليك. تستطيع امرأة أن تُقدم دعوى ضد صاحب العمل في حال عرف عن حالة تحرّش ولم يأخذ آليات وتدابير لمعاجلة ومتابعة القضيّة".

المحامية عبير بكر
المحامية عبير بكر

وتُضيف بكر أنه "بحسب قانون منع التحرشات الجنسيّة، على المشغّل اتخاذ كافة التدابير المعقولة لمنع التحرشات الجنسية دخل أماكن العمل. نص القانون يتطرق إلى واجب المشغّل حينما يكون التحرّش من قبل أحد عامليه أو المسؤولين من قبله وإن لم يكن موظفًا لديه. وفي قضية تداولتها محكمة العمل في حيفا سنة 2017 جرى النشر عنها قبل شهور لاحظنا أن المحكمة سمحت لمحامية متدربة أن تقاضي مكتب المحامين الذي عملت فيه وذلك لعدم أخذه كافة التدابير اللازمة لمنع تحرشات ومضايقات جنسيّة بدرت من أحد زبائن المكتب. وفي قضية أخرى تناولتها محكمة العمل القطرية عُوّضت عاملة بمبلغ من المال وذلك بعد أن غُرّمت الشركة التي وظفتها بعدم أخذ التدابير اللازمة لمعالجة شكوى الموظفة ضد تحرش جنسي تعرضت له خلال عملها لخدمة الشركة خارج البلاد. ولم يكن المتحرش موظّفًا لدى شركة العاملة بل تربطه مع الشركة علاقات عمل. كان ذلك يكفي لتطبيق القانون على المشغّل والإقرار بأنه أخلّ بواجبه معالجة شكوى التحرش الجنسي وغض النظر عن الشكوى بحد ذاته يعتبر خرقًا للقانون وعليه تحمل مسؤولية التحرش الجنسي وإن لم يكن هو الفاعل ولا حتى أحد موظفيه الذين يعملون لديه بشكل مباشر. وأقرت المحكمة بلزوم اتخاذ التدابير الخاصة بمبادرة المشغّل يأتي بالذات لضبابية الحدود في علاقات العمل خارج البلاد والاحتمال الكبير للتعرض لتحرشات جنسية نتيجة لهذه الضبابية وعدم فهم أو رسم الحدود كما الحال في قوانيننا".

وأشارت بكر إلى أن "التحرش الجنسي هو، أيضًا، معاملة بطريقة جنسيّة مثل اقتراحات لفعل جنسي أو نشر صور دون موافقة ممكن أن تؤدي للإهانة والأذى. هناك حالات يُمنع فيها محاولة التودد بشكل جنسي مثل أماكن العمل أو القاصرين أو معالج وشخص تحت العلاج، ولا حاجة للطرف الثاني أن يظهر أنه لا يريد، لأنّه ممنوع من الأصل. ممكن عدم إظهار الموافقة في هذه الحالات يكون نابع من الخوف. التحرّش الجنسي ليس فقط فعلًا جنائيًا، إذ ممكن تقديم دعوى لتعويض والمحكمة تفحص ما حصل. ممكن أن أتشكى على صاحب محل علمَ بتحرشات ولم يفعل شيء، خصوصًا إذا أغمض عينيه عمّا جرى وقال لا دخل لي".

من "كباريت"

أما عن العقوبات ومسار تقديم الشكوى، فتقول إن "عقوبة التحرّش الجنسي 3 سنوات، أما أعمال مشينة فيتعلق بالوضع والاغتصاب قد يصل حتى 20 سنة سجن. في حال تقديم شكوى هناك حاجة لسرد أكبر عدد ممكن من المعلومات والتفاصيل، وفيه مسار قد تضطر فيه الضحية لسرد ما حصل أكثر من مرّة وهو مسار شاق. وعدا عن التحرش الجنسي والجانب الجنائي المترتب عنه علينا أيضًا أن نذكر بأن القانون الجنائي يحمّل مسؤولية جنائية لكل من علم بنية فلان أو علان بارتكاب جناية معينة ولم يقدم على منع حدوث جرم أو جناية ولم يتخذ التدابير اللازمة لمنعها. هذا يسري على كل أنواع الجرائم يشمل الجنسية منها والسموم طبعًا".

أمّا في قضايا بيع السموم، ترى بكر أن للشرطة الصلاحية التامة باستصدار أوامر إغلاق الأماكن الترفيهية استنادًا إلى معلومات واضحة تشير إلى بيع السموم كما حدث مع العديد من النوادي الليلة الشهيرة في مركز البلاد ويحدث حتى في الشمال أحيانًا لمجرّد وقوع شجار عنيف معين بالنادي دون الحاجة لوقوع أو مقتل ضحايا.

وتخلص بكر حديثها إلى القول "يبدو لي أن الشرطة غير معنية بمتابعة ومعالجة هذه القضايا في المجتمع العربي، والأولويّة بالنسبة لها هي اعتقال شخص بعد مظاهرة في حيفا أكثر من متابعة ملف مثل ’كباريت’ أو إغلاق مقهى ينوي عقد ندوة لأسير محرر أو إحياء ذكرى وطنية لا تروق للمؤسسة".

ردّ الشرطة

بعد وصول الشهادات، توجّهنا في "عرب ٤٨" إلى الشرطة باستفسارات إن تلقّوا توجّهات في هذه القضية، وسألناهم إن كانت لديهم معلومات أو توجهات أو شكاوى رسمية متعلقة بتحرشات جنسية في "كباريت" أو قضايا سموم، وسألنا عن طبيعة الرقابة التي قامت بها الشرطة منذ عام 2016 تجاه المكان وحتى اليوم، واكتفت الناطقة بلسان الشرطة بهذا الرد:

"الملهى الليلي يستوفي شروط الترخيص لشرطة إسرائيل. في حال وجود أيّة اشتباه لمخالفات وتُقدّم شكوى، سوف يُحقق بها بشكل ملائم".


تعقيب عايد فضل عبر محاميه:

وصلت موقع "عرب ٤٨" رسالة من مكتب المحامي فيتولد إيراني موكّلا من قبل عايد فضل، الثلاثاء الماضي، بعد التوجه لعايد يوم الخميس من الأسبوع قبل المنصرم للحصول على تعقيبه ورده على الاتهامات.

جاء في رسالة المحامي للموقع إنه "في هذه الظروف، ليس لدى موكّلي القدرة على التطرّق إلى الأسئلة التي وُجّهت إليه، والتي ينفيها جملةً وتفصيلا. من الآن نقول إن موكّلي يرفض باشمئزاز كل الادعاءات ضدّه كما وصلت إليه في الأسئلة التي أرسلت إليه. ادّعاءات مصدرها، بحسبكم، معلومات وتوثيقات بحوزتكم. عندما يحين الوقت، وفي يوم الحساب سيتضّح، أنه ليس لديكم شيء أو نصف شيء وباستثناء النميمة المحضة، إن وجدت حتى، فلا شيء حقيقيًا".

وتابع "بنيتّكم فعل هذا (النشر - عرب ٤٨) وأنتم تدركون جيّدًا أنّ موكّلي يعيش في برلين، وأنه في فترة قصيرة كهذه، وخصوصًا في ذروة جائحة كورونا، التي تمنع تنقّلا حُرًّا وسريعًا من الخارج إلى إسرائيل، ليست لدى موكّلي القدرة على الوصول إلى إسرائيل والدفاع عن اسمه الطيّب، في الوقت القصير الذي تكرّمتم بمنحه إياه، بما في ذلك التوّجه إلى القضاء للحصول على أمر قضائي بمنع النشر الكاذب الذي تنوون نشره. حتى هذا منعتموه عنه!!!".

توجهنا في "عرب ٤٨" إلى مالكي الملهى، وسام قيس وتامر قيس، وسننشر ردّهما فور وصوله.

يُنشر الجزء الثالث من التحقيق أواسط الأسبوع المقبل.

التعليقات